السبت، 24 سبتمبر 2011

6 - أم لدغة

جلسنا تلك الليلة ، وهي اخر ليلة ويبدأ بعدها النهار بطول خمسة عشر يوما ارضي ، أنا وصاحبة العين الحمراء نتباحث في شئون الحياة وماذا يدور حولها من قمرية وأرضية وغيرها تهم المجتمعين البشري والباعوضي ، فلدى الباعوض مشاكل بمثل ما عندنا نحن البشر.
كان الوضع في هذا الاحتفال غريبا من جميع الأطراف والنواحي حيث شاهدت باعوض يذهب ولا يرجع والقليل منهم يعود وهو في حالة أخرى حتى لاحظت أن موقع الاحتفال كان شبه خالي إلا من عدد قليل منهم وأنا وأم لدغة (عرفت إسمها بعد فترة من الحديث معها). لقد كانت أم لدغة في حالة ووضع شك كبير، ولم يطل التفكير في ما يدور في خلد الست باعوضة حتى مدت يدها وأمسكت بيدي بقوة وحاولت أن تجذبني إليها في محاولة أن تطبع قبلة على وجنتي. تعذرت منها وقلت لها إنني لم أتسوك منذ وصولي إلى القمر وكذلك احدث نفسي من مخافة انتقال مرض الملاريا إلي ، فتراجعت عني وعن وضع القبلة.
لقد كان اشراقة الشمس في بداية نهار طويل على القمر تأثير كبير جدا على تواجد الباعوض على سطحه، فلم تكن ثواني من انتشار اشعة الشمس على الجانب الذي كنا به حتى لاحظت انه يركض إلى بيوته والتي تقع بالقرب من مياه الوادي ومخلفا من ورائه كل شراب ومأكل وآلات طرب ومغنى، وبذلك تخلصت من المعلمة أم لدغة والباعوض بأسره. لقد كانت ليلة طويلة جدا علي، وللمعلومة أن نهار القمر يعادل نصف شهر أرضي أي خمسة عشر يوما وليله كذلك بسبب أن القمر يواجه الأرض دائما بوجه واحد لا يتغير في أثناء دورانه في فلكه حول الأرض وأثناء حركته معها في فلكها، تماما مثل الأرض إذ نصفها يكون نهارا ويكون النصف الآخر ليلا، ولكن بسبب دوران الأرض على محورها مرة كل يوم أرضي فيتقلب الليل على النهار والنهار على الليل مرة كل يوم كذلك، إي أن اليوم القمري يساوي شهرا قمريا بالنسبة لاهل الارض.

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

5 - المعلمة

وجدت باعوضة في الأربعينات من العمر أنثي مؤدبة وصاحبة علم ومعرفة فجلسنا نتناقش في مواضيع عدة فدار هذا الحديث:
هي: من أين أنت ؟
أنا: من الأرض ... وأنتِ أيتها الأخت ( قلت هذا متردداً ) ؟
هي: كنا في قديم الزمان نعيش هناك على الكوكب الأرضي ولكن الله يسامح ارمسترونج وشلته هم السبب في تواجدنا هنا .. فلقد أحضرونا معهم إلى القمر وكنا صغارا لا نفقه شيئا في الحياة تقدر تقول شرانق متشرنقة مجمعة ومصفوفة في صفين ومكتوب على الصندوق أبوعين.
انا: حسبي الله ونعم الوكيل ... طيب لماذا انتم بهذا الشكل ؟ يوجد على كوكبنا الارضي باعوض ولكن ليس بنفس الصفات والحجم.
هي: لقد رشوا علينا مبيد كيميائي كان اسمه "تيتي تيتي لا رحتِ ولا جيتي" وهو مركب كيميائي خطير جدا اخطر من البرتقالي، ولا يصنع إلا تحت حراسة مشددة في صحراء نيفادا الهنكر 16 وهو الذي غير إشكالنا وأحجامنا إلى هذا الذي تراه ..
(في هذه الأثناء كان واحد من المباحث الباعوضية يتجسس ويتنصت على كلامنا فلم نعيره أي انتباه عرفت ذلك من خلال عينه التي لا تستقر وكذلك من خلال المسباح التي يلعب بها بين يديه وهي من الرخيصة ابو ريالين)
أنا: طيب وبعدين ... أليس هناك من جمعية لحقوق الباعوض تستطيعون أن تشتكون إليها.
هي: جمعية ؟ هههههههه بصوت عالي وقهقهت حتى بانت لي نواجذها على ما اعتقد ... جمعية أيه يا حج ..
انا: (لقد عرفت إنني وقعت في مطب محرج جدا مع بنت الحلال الباعوضة وذلك من خلال رعشة في اليد وخفقان في القلب وتصبب العرق من جبيني فاستدركت الموقف) وقلت .. طيب وبعدين ( والابتسامة تعلو محياي).
هي: تشرب شاي ؟
انا: سوف احضر لك كأس من الشاي ... تريدينه احمر ام اخضر.
هي: اخضر
انا: سوف أعود إليك بعد قليل.
ذهبت إلى موقع الذي به المشروبات الغازية والغير غازية والروحية والغير روحية والمأكولات المحرمة والغير محرمة. طلبت من الجارسون أن تعمل لي اثنين شاي واحد احمر وواحد اخضر والحلا برا وواحد سندوتش زعتر جبلي. في أثناء ذلك لمحت المعلمة الجليلة والتي كنت أتحدث معها منذ قليل تصلح من هندامها ومكياجها فاعتراني الخوف والشبهة ، فتصنعت إنني لا انظر إليها. بعد قليل أتاني الطلب وكان على الصحن ورقة صغيرة عليها رقم جوال الجارسون. تعوذت من الباعوض الجرسوني القمري ومشيت إلى أن أصبحت قريبا من السيدة المبجلة.
مددت يدي لأعطيها كأس الشاي الأخضر فلامست يدي يدها وشاهدت بسمة خفيفة على وجهها واحمرارا على وجنتيها.
قلت: تفضلي الشاي ... هل تريدين مشاطرتي في الساندويتش.
قالت: شكرا ... وهي تناظرني بعينها الحمراء .. كلما رمشت بعينها الوحيدة كنت لا اعلم أهي غمزه أو رمشه ... فجلست حائرا أفكر بتلك العين وما سوف يأتي بعد العين.

السبت، 3 سبتمبر 2011

4 – السهرة الكبيرة

اتى الليل على القمر وأسدل عليه ظلام دامس وجلست وحيدا أعد نجوم السماء الساطعة والتي لا تشوبها أدخنة أو سحب صناعية، وسكن بذلك النمل القمري.
هذه هي الليلة الأولى والتي أنام فيها خارج نطاق كوكبنا الأرضي. لم اعلم ان هناك باعوض ليلي قمري إلا عندما قربت بعوضة إلى أذني وبدلا من أزيزها المزعج وجدتها تهمس في أذني اليسرى تهاتف وتقول " أفق خفيف الظل هذا السحر ... لا .. لا دعي النوم وناجي الوتر" تخيلت منذ الوهلة الأولى إنني أحلم ، ولكن تكرر المشهد لأكثر من مرة حتى أفقت من سبات عميق من شدة التعب ، لأشاهد بأم عيني باعوض كثير على شكل دائرة كبيرة يتجمعون حول نار مشتعلة تضيء ما حولها. فجعت ، وتعوذت من البعوض القمري لأن أحجامها كانت كبيرة وأشكالها كانت غريبة جدا ، فليس لها أجنحة ، وليس لها إلا عين واحدة دائرية لونها أحمر تدور في جوف لونه اسود مثل عيون الحرباء تستطيع أن تقول مثل حبة الكرز السويسري في صحن اسود الصيني. بعضها يلبس نظارة مكبرة ، لها أربعة أيادي ماسكة بإحداها كأس ، وأربعة أقدام ، أما الوجه فهو شمسي (لا استطيع القول انه قمري ونحن على سطح القمر) فيه فم بدون شفايف به في الأعلى أسنان أربعة مصفوفة على شكل مثلث ومثلها في الأسفل وشكل الأسنان مثل الدبابيس.
لقد شاهدتني إحداهن وطلبت مني مشاركتهن في الغناء والرقص الباعوضي القمري … فلم يكن ردي لهذه الدعوة سوى ان ألبيها. كان البعض منهم سكارى وفي حالة مزرية جدا والبعض الأخر ما بين وبين يسمعون إلى مطربتهم العجوز وهي تغني مع فرقتها الخاصة. من أجمل أغانيها التي سمعتها وأنا على سطح القمر "طار بالهوى شاشي" و "يا نار شبي من ضلوعي" و "الفراولة" وأخيرا "البرتقالة" .. طبعا كذلك وصلات غنائية وموسيقية قديمة نوعا ما. ذكرتني هذه الاغاني ايام قضيتها في مصر قبل عصر الكرسي الثابت المتحرك.
كان البعض منهم لا يشرب فعرفت إنهم مباحث باعوضية لا غنى عنها ومن التنصت على جنسها وقومها ، فعرفت إننا بخير وسعادة فحمدت الله على هذه النعمة.
في تلك الأثناء الماجنة قامت واحدة من الباعوضات وكان لها جسم رشيق وسيقان طويلة ولباس أنيق بالتحرش بي ومغازلتي علنا ، فلقد كانت تحت تأثير الشراب فعرفت إنها مومس ليل باعوضي فتحاشيتها مخافة القال والقيل وخوفا على سمعتي الأرضية ، فإنني في هذا الموقع على القمر أمثل جميع أطياف وأجناس البشر كافة.